سلااااااااااااااااام
كيفكم انشاء الله بخيررررررررررررررررر
لماذا تزوجني ؟
بدأ أبوها من الصفر ‘ وبعد سنوات عديدة من الكفاح أغدق الله عليه بالرزق. أصبحوا يملكون فيللا فاخرة فاخرة يعيشون فيها، وسيارتين
وعمارة شامخة في أرقى الأحياء . عاشوا في بحبوحة ، ينفقون بلا قلق ، فالرزق الحلال واسع ، وأعمال والدها في نجاح مطرد ، وقد كانت
بهذا الأب جد فخورة ، فمع تواضع أصله وبساطة تعليمه ، كان لامع الذكاء قوي الإرادة ، عميق الإيحاء ، أكثر ما كان يبهرها فيه ، تلك
العقيدة التي لم يحد عنها ، تجاه المحتاجين . وكان بذلك المنطق يقهر ثوران أمي ، التي كانت تعتبر بعض تصرفاته سفها ، وتذكره
دائما بأن له ابنة أحق بهذه الأموال التي يبعثرها . وكان رده عليها دائما : ( كيف تتصورين أنني يمكن أن أضرها ؟ ) ولأنها تشبعت
بفكر أبيها ، فقد كانت تدرك أبعاد الموقف . أمها كانت تريد من والدها أن يكتب كل أملاكه باسم ابنته ، وهو كان يرفض بإصرار الفكرة
لأن له أخا وحيدا يكبره ، على قدر حاله، موظف بسيط، مرتبه يكاد لا يفي بضرورات الحياة ، له زوجة وابن وحيد، أحمد يكبرها بعامين ،
ومنذ وسع الله لأبيها من الرزق وهو يؤمن بأن من واجبه رعاية أخيه وأسرته ، ملكهم شقة في عمارته ، وأهدى أحمد سيارة صغيرة حينما
التحق بكلية الصيدلة ، ولم يكن في كل ذلك يمن أو يتعالى ، عمها لم يكن أبدا مستغلا، ولكن والدها كان مصرا على أن ينال أخوه أرثه
بما فرض الشرع صدقت والدتها عندما قالت بأن والدها لم يكن يرفض لها رغبة ، وإن لم يحدث أبدا أنني أفصحت له عن رغبة ، هذا الرجل
العظيم كان يفهمها بنظرة واحدة . يستشف أعمق ما في أعماقها ، وتفاجأ به يحقق لها ما تمنت دون أن تفضي بشيء . كانت تصيح : ( كيف
عرفت ؟ ) وكان يرد ضاحكا : ( بيني وبينك اتصال روحي ، كل ما في ذهنك وأعماقك صفحة منشورة أمامي ). بهذه الشفافية كان من دون شك
يدرك أنني راضية عن تصرفاته ، بل سعيدة وفخورة بها في آن . مثله تماما كانت تكن لعمها وابنه أحمد عاطفة عميقة ، وكانت ترحب
باستضافتهما خلال شهور الصيف ، وتستمتع باأوقات التي كانت تقضيها مع أحمد على الشاطئ، وفي المسارح، وفي أي مكان كانا يذهبان إليه
معا . وبهذه الشفافية كانت تخشى أن يصل تغلغل أبيها في أعماقها إلى حد الإحساس بنبض قلبها ، فلم تكن تريد لأحد أن يعرف سر قلبها .
حتى هو ، بل حتى أحمد نفسه ، لأنها لم تكن تريد أن تفرض حبها . فالفتاة تحلم عادة بالحب قبل الشاب ، ثم هو كان مشغولا بدراسته و
بالتفكير في مستقبله العملي ، ولم يكن متيقنا من أن والدها سيورثه ، ولا تعتقد أنه عرف هذه الحقيقة إلا يوم وفاة والده ، فقد أراد
والدها أن يخفف عنه وقع المصاب ، فصارحه بأنه سيكون وريثه معها .
مرت السنون ، كانت بلا شك تحس بمدى امتنان أحمد ، لكنها أبدا لم تشعر إلا بعواطفه الأخوية . لو كان لها أخ ما كان يمكن أن يعاملها
بأفضل مما كان أحمد يفعل ، و.. ولا شيء يوحي ، ولو من بعيد ، بأنه ينظر إليها كأنثى ، كامرأة . وذلك الصيف ، حينما جاء يمضي
أجازته معهم كالعادة في العجمي ، لاحظت تغيره ، كان يخرج من الصباح حتى المساء دون أن يدعوها إلى مرافقته ، حاولت جهدي ألا يبدو
علي القلق والضيق ، وتصرفت كما لو كان من حق أحمد أن يفعل ذلك ، ثم أخيرا انفرد بها ، وقال وهو يحاول السيطرة على ارتباكه :
( أريد أن أعرفك بفتاة يهمني أمرها جدا ، ويهمني أيضا جدا أن تلقى منك قبولا ) . وتمزقت الستر ، بانت الحقيقة ، من نبض له قلبها
منذ الصبا المبكر ، يحب أخرى ، أصعب موقف يمكن أن يواجه أية فتاة . ولولا الإرادة القوية لانهارت ، لكنها تغلبت على ضعفها، وواجهت
أحمد كما فرض فيها أن تكون ، وتعرفت إلى فتاته ، على قدر مذهل من الجمال ، عذرته رغم ما سببه لها ذاك من ألم عميق ، فهي لم تكن
جميلة ، وإن لم تكن دميمة ، ولم تكن هذه الحقيقة تزعجها ، وإن شعرت أحيانا من نظرات أبيها ، كما لو كان يأسف ، لأنه أمام الشيء
الوحيد الذي لا يستطيع أن يحققه لها .
أسبوع ، اثنان ، ثلاثة ، وأحاديث هامة تدور بين أبيها وأحمد وشيئا فشيئا لاحظوا جميعا أن أحمد لم يعد حريصا على الخروج بمفرده ،
وبدا مهموما ، وحتى تبدو طبيعية سألته عن أخبار فتاته رد : ( لم نعد نلتقي ) . أطرق قائلا : ( فكرت في الأمر ، اعتراضات أمي في
محلها ، وهي ليست من طبقتنا ، ومثل هذه الفوارق من شأنها أن تفسد الحياة الزوجية ) . قالت معترضة : ( لكنك تحبها ، وهي تحبك ،
وهذا يكفي ). رفع نظره نحوها وتأملها بنظرة طويلة، كما لو كان يراها لأول مرة ، ثم قال : ( أعتقد أني كنت مضللا في عواطفي نحوها،
كنت مبهورا فقط بجمالها ، وذلك لا يبني حياة زوجية ناجحة ) .
شهور طويلة وهي في صراع مع عذابها ، وكل ما يعذبها ، أبيها بصفة خاصة، واعتقدت أنها استطاعت هذه المرة أن تضع بينه وبين أعماقها
حجابا كثيفا ، فما من مرة أحست بأنه يشك ، بل إنه أحيانا كان يتهمها بأنها حرضت أحمد ضد أمه ، وبأنه ماكان يجوز لها أن تتدخل في
قضية ليست طرفا فيها . تخرج أحمد ، وجائهم في الصيف التالي مع أمه كالعادة ، احتفلوا بنجاحه ، وأخذوا جميعا يفكرون بصوت مرتفع
في أمر مستقبله ، وهي وسط ذلك كله تحاول أن تستقصي منه عن قصة حبه ، لكنه لا يعطيها الفرصة ، وعجبت لحاله كان على خلاف حاله في
الصيف الذي مضى ، كان مشرقا ، مبتهجا ، مقبلا عليها ، أحست بنظراته نحوها مختلفة ، وبمعاملته ذات طابع خاص ، وجاء اليو الذي قال
لها فيه : ( أحبك ) ، ارتبكت ، لم تكن تتوقع أبدا هذا الاعتراف ، كانت قد طوت ، وحتى لا تكشف أمر نفسها ، صاحت مازحة : ( هل أنت
محموم ؟ ) . رد بجدية : ( أنا في تمام قواي العقلية أحبك وأتمناك زوجة ) . قالت بصوت مختنق : ( منذ متى ؟ ) رد : ( يخيل إلي منذ
طفولتنا المبكرة ) . سألت بعتاب حزين : ( وفتاة الصيف الماضي ؟ ) صمت لحظة ، ثم قال : ( مجرد نزوة ) . قالت : ( وكيف اكتشفت حبي
في قلبك ؟ ) قال : ( وجدتني أفكر فيك ، وأشعر بلهفة على أن أحدثك عن نزوتي ونهايتها، فكرت في أن أكتب لك ، خشيت أن تسيئي فهمي ).
وسكت ، ثم عاد يقول : ( إنسي ما فات ، وثقي بأنني ما أحببت أبدا سواك ) . أصبحت أسعد فتاة في الدنيا ، ما عهدت أحمد منافقا ،
وكانت تصرفاته تؤيد كلامه ، وغمرت الفرحة قلوب أفراد الأسرة وبعد شهرين ، لا غيره كانت تزف إلى أحمد في حفل كبير فاخر . هدية أبي
لنا كانت رحلة شهر العسل في أوروبا ،وعادا منها ليستقران مع الوالدين في الدور العلوي من الفيللا ، التي أعاد والدي تأثيثها ،
وشهور قليلة أخرى وعثر أبيها على مكان مناسب ليكون صيدلية ، مالكها ومديرها زوجها أحمد ، ومدة خمس سنوات عاشت حياة سعيدة ، زوج
يحبها ، كل يوم يمر يزيدهما تقاربا . طفلة رائعة الجمال صارت بهجة حياتهما جميعا ، وأحمد في نجاح مطرد ، شهرة الصيدلية وصاحبها
الممتاز تنتشر وتزدهر ورحلات أي صيف إلى الخارج ليريان الدنيا معا . فجأة أصيب أبيها بأزمة قلبية وأسلم الروح ، ويده ممسكة بيدها،
ونظرة رضا تطل من عينيه . وقد كان حتما أن تصيبها صدمة قوية بالانهيار لو لم يكرس أحمد كل جهده لرعايتها ، وبفضله تغلبت على
أحزانها . ولم تعد تستنكر من أمها ضرورة مقابلة المحامي المكلف بحصر التركة ، للبدء في والإجراءات القانونية اللازمة . ولما كان
المحامي يعرفها جيدا ولا يعرف أحمد ، فقد كانت بالاتصال به لتحديد موعد لمقابلته ، قلت : ( ليكن الموعد في غير مواعيد عمل زوجها
بالصيدلية ، حتى يتمكن من الحضور معها . قال : ( ليتفضل لو شاء ، لكن وجوده لا ضرورة له . سألت برجفة : ( كيف ؟ أليس وارثا مثلي
تماما ؟ ) رد : ( لا يا بنيتي أبوك الله يرحمه نقل كل أملاكه باسمك وحدك ) . شل تفكيرها ، ألجم لسانها ، بعد جهد سألت : ( متى حدث
ذلك ؟ ) أجاب : ( منذ أكثر من خمس سنوات ، لو شئت أبحث لك عن التاريخ المضبوط ) . منذ أكثر من خمس سنوات ، يعني بعد أن أبدى أحمد
رغبته في الزواج بتلك الفتاة رائعة الجمال . هل كان ذلك هو السلاح الذي شهره أبيها في سبيل أن يحقق لها الرغبة التي تصورت أنه لم
يفطن إليها ؟ هل تقدم على تلك الخطوة لكي يرغم أحمد على الزواج بي ، هي الوريثة الوحيدة للثروة الطائلة ؟ هل لم يتزوجها أحمد إلا
ليضمن التمتع بالثروة ؟ أحمد لم ينكر أنه كان على علم بما أقدم عليه أبيها ، لكنه يقسم أنه لم يتزوجها لهذا السبب بل إنه اكتشف
أنه يحبني حقا . تتمنى لو تصدقه إنقاذا لأعصابي ولكبريائها وسعادتها .